بقلم _ أشرف الحواط الداعية واستشاري التنمية البشرية والتدريب
هذه الكلمات هي إجابة الحبيب النبي (ص) على سؤال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) حينما رأى أبو ذر أن الفتوحات الإسلامية في اتساع وانتشار فهذا جعل له حافزاً كبيراً لأن يذهب للنبي (ص) ويطلب منه شيئاً فقال له كما جاء في صحيح الإمام مسلم :-
يا رسول الله, ألا تستعملني؟ (معنى الاستعمال هنا أن يجعله عاملاً, والياً, حاكماً, موظفاً كبيراً , رجل مسئولية), قال: فضرب بيده على منكبي – تحبباً, وترفقاً, وتلطفًا- ثم قال: يا أبا ذر, إنك ضعيف – أي (القيادة تحتاج إلى خصائص) وإنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة, إلا من أخذها بحقها, وأدى الذي عليه فيها) .
الأمانة بالمعنى البسيط أنا أودعت عند إنسان مبلغاً, ثم أداه لي بالتمام والكمال, هذا معنى ضيق جداً للأمانة فالأمانة هي كل ما أؤتمن عليه الإنسان .
ووصف الله تعالى المؤمنين الصالحين الذين كتب الله سبحانه لهم الفلاح والرشاد في الدنيا والآخرة بأنهم يرعون أماناتهم ويؤدونها حق الأداء , قال تعالى : -” وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” (سورة المؤمنون 8) .
والأمانة صفة مميزة لأصحاب الرسالات ، فقد كان كل منهم يقول لقومه ” إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ” . (سورة الشعراء : 107، 125 ،143،162، 178) .
ولقد اتصف النبي (ص ) منذ صغره ولقب بين قومه ( بالصادق الأمين ) حتى وقومه يعادونه لم ينفوا عنه هذه الصفة .
والأمانات في الحياة لها أنواع كثيرة منها- :
1- أمانة مع الله :- فمن الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض الدين كما ينبغي، ويحافظ على الصلاة والصيام والزكاة وبر الوالدين، وغير ذلك ….
2- أمانة مع الناس :- وتشمل كل معاملات الناس في البيع والشراء وفي العمل وفي الودائع وحفظ الجوارح إلى غير ذلك …
3- أمانة مع النفس :- أن يكون صادقاً مع نفسه منصفاً لا يخدع نفسه حتى يتقدم في حياته .
وإن من العجيب في أناس كثيرة في زماننا تتسارع وتتسابق لحمل أمانات الناس ومسئوليات عظام وإلي المناصب وتنسى أو تتناسى أن لكل شئ معايير للإختيار للحصول على أي شئ أو توليه لأنها أمانة وسوف يحاسب عليها .
وهذا معنى عظيماً يرشد إليه النبي (ص ) بأن كل شيء لا بد وأن يوضع في مكانه المناسب ، فلا يسند العمل ولا المنصب إلا لصاحبه الجدير به ، والأحق به من غيره ، دون محاباة لأحد ، وإلا فقد ضاعت الأمانة واقتربت الساعة . وضياع الأمانة دليل على ضياع الإيمان ونقص الدين ، قال (ص):- ” لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ” ( حديث صحيح ، وإسناده جيد رواه الإمام أحمد والبيهقي) .
المسئولية أمانة فكل إنسان مسئول عن شيء يعتبر أمانة في عنقه، سواء أكان حاكمًا أم والدًا أم ابنًا، وسواء أكان رجلاً أم امرأة فهو راعٍ ومسئول عن رعيته، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:- ” كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالأَمِيرُ الذي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ “. (أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم) .
الساعة لها علامات, أحد أكبر علاماتها: أن يسند الأمر إلى غير أهله، فلكل عمل أهله, فإذا قام بالعمل من ليس له بأهل, فقد اقتربت الساعة فعندما يُوكَل الأمر لغير أهله ..! ..
ينقلب الحق باطلاً ، والباطل حقاً ،ويَعُم الظلمُ في الأرجاء،ويصبح الحق ضائعاً،عندما يُوكَل الأمر إلى غير أهله .. ! ..تنقلب كل الموازين ،يصبح الجلاد أشد سطوة في الباطل؛والقاضي يقف متفرجاً .
عندما يُوكَل الأمر إلى غير أهله .. يقدم سوء الظن ،ويغيب الفهم وتتحجر العقول ،عندما يُؤْكَل الأمر إلى غير أهله .. ؟! ..
يستقوي المنافقين ،ويغتر بهم ضعيف الهمة وصغير العقل
عندما يُوكَل الأمر إلى غير أهله .. ! ..فلا تستغرب أن يسلب حقك باسم المجاملة ،لا تستغرب إن تم تخوينك والطعن في نيتك .
إن الأمانة لا توجد إلا حيث يوجد العدل، وإذا ساد الظلم ولدت معه الخيانة، وبالعدل والأمانة تزدهر الحضارة، وتتقدم الدول والأمم، ويعرف الناس حقوقهم وواجباتهم، وفي القرآن نجد الأمر بالأمانة، والنهي عن الخيانة، والتشديد في ذلك، كما نجد اقتران الأمر بالأمانة مع الأمر بالعدل لأنهما صنوان، كما أن الخيانة والظلم إخوان قال تعالى :- {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ} (النساء58) فأمر سبحانه بالعدل والأمانة .
وسأله عليه الصلاة والسلام رجل عن وقت الساعة فأجابه قائلاً: «فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ ) (رواه البخاري ) .
وخيانة الأمانة علامة من علامات النفاق فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) (رواه البخاري ومسلم ) .
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا أن المسئولية عظيمة ليست من أجل الناس والمراقبين فقط عليك رقيب لا يغادر ولا يغفل ولا ينام، عليك ملائكة حفظة يراقبون أعمالك ويكتبونها يسجلونها عليك وستجدها يوم القيامة في أصعب موقف، ولا يمكنك أن تتخلص منها أو أن تكذب، أو أن تستعين بجاهن يخلصك منها ” يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” (سورة الشعراء 88 ) .